عيلبون الضلع، المربع  وقيامة الدائرة
مسؤول جمهوري كبير يعتبر أن سياسة بايدن "المتهوّرة" في أفغانستان تؤدّي إلى "كارثة هائلة ومتوقّعة ويمكن تفاديها" مسؤول عسكري أميركي يتوقع أن تعزل حركة طالبان كابول خلال 30 يوماً وإمكانية السيطرة عليها خلال 90 يوماً ارتفاع حصلية ضحايا حرائق الغابات في الجزائر إلى 65 بينهم 28 عسكريًّا مئات من عناصر قوات الأمن الأفغانية استسلموا لطالبان قرب قندوز وصول وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد إلى المغرب وزير الداخلية الجزائري يؤكد أن الدولة ستتكفل بأضرار الحرائق وأولويتنا حماية المواطنين محافظ الغابات لولاية تيزي وزو في الجزائر يؤكد أن الحرائق التي اندلعت سببها عمل إجرامي وزير الداخلية الجزائري يعلن عن اندلاع 50 حريقا في نفس التوقيت من المستحيلات وسنباشر التحقيقات وزارة الدفاع الجزائرية تعلن عن وفاة 18 عسكريا خلال عملية إخماد الحرائق التي اندلعت بولايتي تيزي وزو وبجاية الحكومة الجزائرية تعلن ارتفاع عدد ضحايا حرائق الغابات إلى 42 شخصا بينهم 25 عسكريا
أخر الأخبار

عيلبون: الضلع، المربع .. وقيامة الدائرة

عيلبون: الضلع، المربع .. وقيامة الدائرة

 الجزائر اليوم -

عيلبون الضلع، المربع  وقيامة الدائرة

بقلم : حسن البطل

تقول اللافتة: «بعد مفرق حيطيم». ماذا قبل المفرق؟ جريمة كاملة لموت كامل، وبعده جريمة لموت غير كامل.

قبل المفرق كانت الجريمة الكاملة تحت بساط أخضر كثيف من شجر الكينا والسرو. هنا، تحت تابوت أخضر كبير، ترقد أطلال لوبيا المدمرة.

بعد المفرق قام الشهداء من قبورهم. نقش الأحياء في عيلبون على الصخر، ولحم الأرض، أسماء 28 شهيداً. كل أربعة قتلى على حجر واحد. للمربع أربعة أضلاع مع أربع زوايا قائمة. وعيلبون قامت من الموت، العابر والوحشي، وعادت من المنفى إلى البلاد.

كيف جاء الموت الصاعق قرية للخصب والمدرسة .. والموسيقى؟ كيف عادوا من الموت البطيء في المنفى، ليرفعوا أسماء شهدائهم من النسيان إلى الذاكرة؟

جندلوا القتيل الأول على درج بوابة الكنيسة. وكان الناس يحتمون ببيت الله من غزاة الدار. جمع القتلة رجال القرية .. وبدؤوا طقس القتل الهمجي: أنت. أنت. أنت. اختاروا أكثر الرجال شباباً، وأكثر الشباب قوة، وأجمل الفتيان الأقوياء.. وحصدوهم. خمس عشرة صرخة أخيرة بين الموت والحياة. ربما عشرات الحشرجات. ربما بضع طلقات إجهاز. هكذا جاء الموت قرية عيلبون زمن النكبة.

خمسة عشر قتيلاً تكوموا عند جدار الإعدام. واحد تكوم على درج الكنيسة. والباقي؟ كان لكل قتيل موته الخاص .. في حقله أو بيته، أو زاروب البيت .. وكان لغزالة إلياس سرور موتها الخاص جداً.

كان القتلة يجمعون أجمل الفتيان إلى حائط الإعدام. حصدوهم. وكانت غزالة تحصد القمح في ظاهر القرية. هل كانت حطتها البيضاء تجعلها تبدو رجُلاً؟ هل كان منجلها يجعلها تبدو ثائراً مسلحاً .. ضغط الطيار زناد رشاشه، سقطت غزالة قتيلة في حقل القمح. «بذور سنبلة تجف تملأ السهل سنابل».

28 قتيلاً، نقش العائدون إلى الحياة، والعائدون من الحياة في المنفى اللبناني أسماء شهداء قرية عيلبون. بالضبط حيث كان جدار الإعدام. للمربع أربعة أضلاع. وفي كل حجر مربع نقشوا أسماء أربعة قتلى. سبعة أحجار مربعة ترتصف في جدار. تنخلع الحجارة ذات الأسماء قليلا عن جسد حجارة بقية الجدار .. وتشدها بعضها إلى بعض مواسير معدنية .. كما الأضلاع في الصدر!

رحت أعدّ المربعات. رحت أدون أسماء القتلى (أربعة في كل مربع من حجر). انخلع قلبي في صدري.

«أعد أضلاعي فيهرب من يدي بردى»؛ «الحجر الذي نسيه البناؤون». انخلع قلبي. عددت المربعات ..

وعندما دونت أسماء الذين صاروا عظاماً، واعطوا أسماءهم للحم الأرض، وللصخر الذي نهض من عظام الأرض .. نسيت مربعاً واحداً. نسيت تدوين أربعة شهداء. تبّت يدي ولو انخلع قلبي في صدري.

عيلبون الخصب والمدرسة .. والموسيقى، عادت إلى علاقات حياة الدائرة، دورة الحياة العادية، كيف؟
وصل بعض النازحين للبنان حتى بلدة حريصا، وأقاموا ردحاً من الزمن في حماية «سيدة حريصا» .. ولكنهم غادروا زمن اللجوء القصير (ستة أشهر إلى عامين) قبل أن يصير النزوح المؤقت لجوءاً مفتوحاً.

في العام 1950 عادت دورة الحياة إلى إحدى أجمل قرى الجليل. كانوا ثلاثة آلاف نسمة قبل نكبة الموت والمنفى، والذين عادوا إلى القرية، عادوا بها، الآن، إلى البداية الأولى: ثلاثة آلاف إنسان في أجمل القرى.

وقبل خمسة أعوام تذكّر الأحياء واجب الشهداء عليهم. المجلس المحلي جمع حجارة حائط الإعدام من جديد. وجعل للجدار ساحة، ونقش أسماء الشهداء الـ 28، كل أربعة ضمن مربع. أحمد تحت الثرى. جريس تحت الثرى.. وأحمد وجريس قاما من شراكة الموت إلى شراكة الذكرى على حجر مربع واحد.

كيف تكررت المجازر في القرى، ويزعمون، اليوم، أنها كانت مصادفات؟ كيف يتشابه أسلوب القتل، ويزعم القتلة، اليوم، أن الجرائم المتفرقة لم تكن حرب إبادة مقسطة؟ أين ينتقي القتلة أكثر الرجال فتوة، ثم يرسلونهم إلى النسيان؟ هل فعل النازيون قتلاً أبشع من هذا ؟ وهل اختار النازيون طقوس قتل خلاف هذا؟ وفي زمن النكبة والمجزرة كان اسمها ماري، وفي زمن العودة من موت المنفى إلى الحياة يبقى اسمها ماري. وكان عمرها ثلاثة عشرة ربيعاً، وكانت خطيبة ابن خالتها ميلاد فياض سليمان أحد الذين رصفوهم إلى حائط الإعدام.

سأل المهندس المعماري نزار زريق: هل تشربون قهوة أمي في عيلبون؟ قلنا : نعم. نريد أن نرى بلدة ماري عيلبوني، زميلتنا في المنفى، وزوجة زميلنا التونسي محمد علي اليوسفي. ماري عيلبوني في تونس، وأنا أرى عيلبون بعيون ماري عيلبوني. وفي نيقوسيا حكى والد ماري عن مذبحة في عيلبون.. ومات في الشام من ربو أصابه في الخليج. نزار يروي في الطريق من الناصرة إلى عيلبون، وفي عيلبون تروي أمه ماري قصة المذبحة واللجوء إلى جونيه في لبنان؛ وقصة العودة تحت علم الأمم المتحدة.

ولد نزار في بيت بين الكنيسة العتيقة وساحة المجزرة. صار الولد مهندساً معمارياً. صار جدار الإعدام أجمل نصب تذكاري لشهداء مجازر زمن النكبة. أربعة شهداء في كل مربع من حجر، والحجر لحم الأرض، والبشر من لحم الأرض.

هنا الكنيسة. هنا بيت نزار زريق حيث شربنا قهوة أمه. هناك ساحة الإعدام. أين النفق؟ انتظر. مشوار قصير. هذا هو «نفق عيلبون» الذي يجر ماء بحيرة طبريا إلى نقب فلسطين. هنا ولدت الثورة. وحيث حصل الانفجار يوجد، فوق النفق، متجر أبو عماد لمواد البناء. وفوق تلة النفق نور اللوز في بلادنا. «نور اللوز رأيت الله».. قال الراوي الإغريقي في روايته «الطريق إلى آل-غريكو». وفي الطريق إلى عيلبون رأينا آية الله على الأرض. بفضل الفتى نزار، جميل المحيا جميل الروح .. ومن جيل أصلب من السنديان.

المربع تعذيب الدائرة. أربع زوايا قائمة تساوي 360 درجة تمام الدائرة. وعيلبون عادت إلى حياة الدائرة. باعا وجذع كل إنسان تعادل طول الإنسان من رأسه إلى أخمص قدميه. أربعة أضلاع متساوية تشكل مربعاً.

عددت المربعات. عددت أضلاع صدري. نسيت مربعاً واحداً. نسيت تدوين أسماء أربعه شهداء.. انخلع قلبي أمام جلال المشهد.
عيلبون قصة موت كان.. وحياة تبقى إلى الأبد.

المصدر: جريدة الأيام
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عيلبون الضلع، المربع  وقيامة الدائرة عيلبون الضلع، المربع  وقيامة الدائرة



GMT 04:55 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

السباق على استعمار القمر

GMT 04:46 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

نتانياهو متهم والولايات المتحدة تؤيده

GMT 04:40 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

فى حياته.. ومماته!

GMT 13:45 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

الإعلام والدولة.. الصحافة الورقية تعاني فهل مِن منقذ؟!

GMT 10:26 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

تنعم بحس الإدراك وسرعة البديهة

GMT 14:05 2020 السبت ,02 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 17:49 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

ميريام كلينك ترفض استكمال تصوير حلقة "العين بالعين"

GMT 10:47 2016 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

رانيا فريد شوقي عمدة شريرة في الجزء الرابع من "سلسال الدم"

GMT 08:32 2018 الأحد ,02 أيلول / سبتمبر

تفاصيل ذبح سائق طالبة حَمَلَتْ منه سِفاحًا

GMT 08:43 2018 السبت ,05 أيار / مايو

ثلاثون بلاء كان يستعيذ منها النبي

GMT 01:47 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

عطر "برادا" دعوة للسفر في أجواء أنثوية فائقة

GMT 21:28 2017 الأربعاء ,20 أيلول / سبتمبر

بوروسيا دورتموند يذل كولن ويتصدر البوندسليجا

GMT 19:05 2017 الخميس ,09 شباط / فبراير

إصابة رافاييل ماركيز وخضوعه لفحوصات طبية

GMT 19:47 2017 الثلاثاء ,11 إبريل / نيسان

أحمد فلوكس يكشف كواليس "الأب الروحي" في "ده كلام"

GMT 02:08 2017 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال المكسيك يدمر آلاف المنازل

GMT 09:26 2020 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

4 وجهات سياحيّة اقتصاديّة لقضاء شهر عسل مثالي

GMT 01:03 2019 الأحد ,06 كانون الثاني / يناير

تركي آل الشيخ يدرُس بيع نادي "بيراميدز" المصري

GMT 12:36 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز عناوين الصحف الفلسطينية الصادرة السبت
 
Algeriatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

algeriatoday algeriatoday algeriatoday algeriatoday
algeriatoday algeriatoday algeriatoday
algeriatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
algeria, algeria, algeria