شاهدنا رؤساء ومديرى المهرجانات العالمية يتغنون بمهرجان القاهرة السينمائى، وخلال حفل الختام شاهدنا صناع السينما العربية يمدحون مصر وفنها.
بعد نهاية حفل الختام قابلت أحد الأصدقاء، ولفت نظرى إلى حالة السعادة والفرحة على وجوه الجميع. قال لى: «هذا جزء مهم من قوة مصر الناعمة، وليتنا نحسن تنميته واستثماره وترويجه لأنه أفضل ما نملك».
السينما المصرية لعبت دورا قياديا فى ريادة مصر العربية وما تزال. هى أفضل من قدم مصر لأمتها العربية، بفضلها صار كل العرب يعرفون ويتقنون اللهجة المصرية، فى حين أن بعضنا لا يعرف الكثير من اللهجات العربية.
السينما المصرية هى التى جعلت العرب يعرفون مصر ومدنها بل أحيانا قراها وحاراتها، التى تحولت أحيانا إلى مزارات سياحية بفضل هذه الأفلام.
قبل هذا المهرجان كان هناك مهرجان الموسيقى العربية الذى ما يزال أهم حدث موسيقى عربى.. كل من يحلم بدخول عالم الغناء العربى، يريد أن يحصل على تأشيرة الدخول من هذا المهرجان أو من مصر عموما. حضرت حفلات كثيرة خلال السنوات الماضية وسمعت بأذنى الجميع يتحدث بكل الفضل لهذا المهرجان. الصغار يحلمون بفرصة حتى يكبروا، والكبار يظلون يتحدثون بالفضل والعرفان لمصر وموسيقاها وشعبها.
ما ينطبق على الأفلام والأغانى ينطبق على المسلسلات والمسرحيات وسائر أنواع الفنون، صحيح أن هناك منافسات من أقطار عربية شقيقة، لكن مصر ما تزال الرائدة فى غالبية الفنون.
قوتنا الناعمة هى أفضل وأجمل ما نملك. غيرنا يمتلك أموالا وفيرة لا يمكنها أن تصنع القوة الناعمة الحقيقية، ونحن نملك هذه القوة، التى لو أحسنا استغلالها، يمكننا أن نجنى الكثير من القوة والثروة فى آن واحد والأهم التأثير.
وبالمناسبة قوتنا الناعمة ليست فقط مجرد سينما ومسرح وأغانٍ، لدينا قوة ضاربة فى الأدب بكل فروعه، لدينا تراث غزير ونجوم زاهرة فى عالم الأدب والفكر والفن والإعلام والثقافة عموما. لدينا نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وطه حسين وعباس محمود العقاد ومحمد حسين هيكل ومحمد حسنين هيكل ويوسف إدريس ويوسف السباعى وزكى نجيب محمود، وعبدالرحمن الأبنودى وأحمد فؤاد نجم وبليغ حمدى ومحمد الموجى ومحمد القصبجى ولدينا أم كلثوم وعبدالحليم ومحمد عبدالوهاب وشادية وسعاد حسنى وفاتن حمامة وفريد شوقى ومحمود المليجى وعادل إمام وحسين فهمى ومحمد منير وعمرو دياب ويوسف زيدان وآلاف غيرهم. لدينا جيل جديد فى كل هذه الفروع.
لدينا جيوش من الباحثين والمبدعين وأساتذة الجامعات فى كل فروع العلم والبحث.
لدينا الزمالك والأهلى وقوة ناعمة رياضية تفوز دائما عربيا وإفريقيا فى معظم أنواع اللعبات والرياضات.
ما نحتاجه هو أن ننمى هذه المواهب ونقدم لها كل أنواع المساعدة، حتى تكبر وتصير نجوما. ما نحتاجه هو تطوير التعليم وتشجيع البحث العلمى وحرية معقولة لأنه من دونها لن يبرز أحد. هذه الحرية ضرورية جدا للبحث العلمى والإبداع.
مطلوب أن نشجع النشر ونحمى الملكية الفكرية لأنه من دونها كأننا نحكم بالإعدام على صناعة النشر لمصلحة حفنة من المزورين والقراصنة ومن يدعمهم.
مطلوب أن نشجع المواهب فى كل المجالات حتى تنطلق، علينا أن نذاكر النموذج الهندى وكيف تمكن من تحقيق نجاحات متعددة وهو ليس نموذجا غربيا أو صينيا. لديهم قوة ناعمة فى الفنون والثقافة ولديهم نهضة تعليمية جعلت الغرب خصوصا ألمانيا يستقطبون الكوادر الهندية المتميزة فى مجال التكنولوجيا.
مطلوب أن ندرس تجربة الفلبين التى تصدر للعالم أفضل أنواع الممرضات والسكرتيرات من خلال مدارس ومعاهد وجامعات متخصصة.
لدينا فى مصر ٦٥ مليون شاب.. لو أننا ركزنا على تخريج كوادر متخصصة فيما تحتاجه السوق المحلية والخارجية يمكننا وقتها أن نصدر الكفاءات المصرية مرة أخرى للأسواق الخارجية.
هذه الكفاءات هى نفط مصر الحقيقى وهى أغلى من النفط وسائر أنواع الموارد الموجودة فى المنطقة. نحتاج إلى انفتاح سياسى أكبر وأن يكون لدينا نموذج سياسى مستنير نصدره للمنطقة بدلا من استيراد نماذج متخلفة ومتطرفة اندثرت منذ قرون.
نحتاج فقط رؤية واضحة ومحددة لدعم وتشجيع المواهب فى كل المجالات وأهم الأسس لذلك هو تطوير التعليم ومزيد من الحريات فى مجالات الفنون والآداب والإبداع. علينا أن نفتح الأبواب والنوافذ كثيرا فى هذا المجال. لنحارب الإرهاب بكل قوتنا، لكن فى المقابل لنشجع الثقافة والفكر والأدب، وكل مجالات الإبداع لأنها حائط الصد الحقيقى ضد كل انواع التطرف.